فصل: باب هَلْ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ وَهَلْ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَطَرِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب حَدِّ الْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب حد المريض أن يشهد الجماعة‏)‏ قال ابن التين تبعا لابن بطال‏:‏ معنى الحد هاهنا الحدة، وقد نقله الكسائي، ومثله قول عمر في أبي بكر ‏"‏ كنت أرى منه بعض الحد ‏"‏ أي الحدة، قال‏:‏ والمراد به هنا الحض على شهود الجماعة، قال ابن التين‏:‏ ويصح أن يقال هنا ‏"‏ جد ‏"‏ بكسر الجيم وهو الاجتهاد في الأمر، لكن لم أسمع أحدا رواه بالجيم‏.‏

انتهى‏.‏

وقد أثبت ابن قرقول رواية الجيم وعزاها للقابسي‏.‏

وقال ابن رشيد‏:‏ إنما المعنى ما يحد للمريض أن يشهد معه الجماعة فإذا جاوز ذلك الحد لم يستحب له شهودها‏.‏

ومناسبة ذلك من الحديث خروجه صلى الله عليه وسلم متوكئا على غيره من شدة الضعف فكأنه يشير إلى أنه من بلغ إلى تلك الحال لا يستحب له تكلف الخروج للجماعة إلا إذا وجد من يتوكأ عليه‏.‏

وأن قوله في الحديث الماضي ‏"‏ لأتوهما ولو حبوا ‏"‏ وقع على طريق المبالغة، قال‏:‏ ويمكن أن يقال معناه باب الحد الذي للمريض أن يأخذ فيه بالعزيمة في شهود الجماعة‏.‏

انتهى ملخصا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأُذِّنَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنْ الْوَجَعِ فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَكَانَكَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ قِيلَ لِلْأَعْمَشِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ بَعْضَهُ وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏مرضه الذي مات فيه‏)‏ سيأتي الكلام عليه مبينا في آخر المغازي في سببه ووقت ابتدائه وقدره، وقد بين الزهري في روايته كما في الحديث الثاني من هذا الباب أن ذلك كان بعد أن اشتد به المرض واستقر في بيت عائشة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحضرت الصلاة‏)‏ هي العشاء كما في رواية موسى بن أبي عائشة الآتية قريبا في ‏"‏ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ وسنذكر هناك الخلاف في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأذن‏)‏ بضم الهمزة على البناء للمفعول‏.‏

وفي رواية الأصيلي ‏"‏ وأذن بالواو ‏"‏ وهو أوجه، والمراد به أذان الصلاة‏.‏

ويحتمل أن يكون معناه أعلم، ويقويه رواية أبي معاوية عن الأعمش الآتية في ‏"‏ باب الرجل يأتم بالإمام ‏"‏ ولفظه ‏"‏ جاء بلال يؤذنه بالصلاة ‏"‏ واستفيد منه تسمية المبهم، وسيأتي في رواية موسى ابن أبي عائشة أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالسؤال عن حضور وقت الصلاة وأنه أراد أن يتهيأ للخروج إليها فأغمي عليه‏.‏

‏.‏

الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مروا أبا بكر فليصل‏)‏ استدل به على أن الآمر بالأمر بالشيء يكون آمرا به، وهي مسألة معروفة في أصول الفقه، وأجاب المانعون بأن المعنى بلغوا أبا بكر أني أمرته‏.‏

وفصل النزاع أن النافي إن أراد أنه ليس أمرا حقيقة فمسلم لأنه ليس فيه صيغة أمر للثاني، وإن أراد أنه لا يستلزمه فمردود والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقيل له‏)‏ قائل ذلك عائشة كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أسيف‏)‏ بوزن فعيل وهو بمعنى فاعل من الأسف وهو شدة الحزن، والمراد أنه رقيق القلب‏.‏

ولابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عن مسروق عن عائشة في هذا الحديث‏:‏ قال عاصم والأسيف الرقيق الرحيم، وسيأتي بعد ستة أبواب من حديث ابن عمر في هذه القصة ‏"‏ فقالت له عائشة‏:‏ إنه رجل رقيق، إذا قرأ غلبه البكاء ‏"‏ ومن حديث أبي موسى نحوه، ومن رواية مالك عن هشام عن أبيه عنها بلفظ ‏"‏ قالت عائشة‏:‏ قلت إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأعادوا له‏)‏ أي من كان في البيت، والمخاطب بذلك عائشة كما ترى، لكن جمع لأنهم كانوا في مقام الموافقين لها على ذلك‏.‏

ووقع في حديث أبي موسى بالإفراد ولفظه ‏"‏ فعادت ‏"‏ ولابن عمره ‏"‏ فعاودته‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأعاد الثالثة فقال‏:‏ إنكن صواحب يوسف‏)‏ فيه حذف بينه مالك في روايته المذكرة، وأن المخاطب له حينئذ حفصة بنت عمر بأمر عائشة، وفيه أيضا ‏"‏ فمر عمر، فقال‏:‏ مه إنكن لأنتن صواحب يوسف ‏"‏ وصواحب جمع صاحبة، والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن‏.‏

ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط، كما أن ‏"‏ صواحب ‏"‏ صيغة جمع والمراد زليخا فقط، ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك وهو أن لا يتشاءم الناس به‏.‏

وقد صرحت هي فيما بعد ذلك فقالت ‏"‏ لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا ‏"‏ الحديث‏.‏

وسيأتي بتمامه في ‏"‏ باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ في أواخر المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

وأخرجه مسلم أيضا‏.‏

وبهذا التقرير يندفع إشكال من قال إن صواحب يوسف لم يقع منهن إظهار يخالف ما في الباطن‏.‏

ووقع في مرسل الجنس عند ابن أبي خيثمة أن أبا بكر أمر عائشة أن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرف ذلك عنه، فأرادت التوصل إلى ذلك بكل طريق فلم يتم‏.‏

ووقع في أمالي ابن عبد السلام أن النسوة أتين امرأة العزيز يظهرن تعنيفها، ومقصودهن في الباطن أن يدعون يوسف إلى أنفسهن، كذا قال وليس في سياق الآية ما يساعد ما قال‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ زاد حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم في هذا الحديث أن أبا بكر هو الذي أمر عائشة أن تشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر عمر بالصلاة، أخرجه الدورقي في مسنده، وزاد مالك في روايته التي ذكرناها ‏"‏ فقالت حفصة لعائشة‏:‏ ما كنت لأصيب منك خبرا‏"‏‏.‏

ومثله للإسماعيلي في حديث الباب، وإنما قالت حفصة ذلك لأن كلامها صادف المرة الثالثة في المعاودة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث، فلما أشار إلى الإنكار عليها بما ذكر من كونهن صواحب يوسف وجدت حفصة في نفسها من ذلك لكون عائشة هي التي أمرتها بذلك، ولعلها تذكرت ما وقع لها معها أيضا في قصة المغافير كما سيأتي في موضعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليصل بالناس‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ للناس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخرج أبو بكر‏)‏ فيه حذف دل عليه سياق الكلام، وقد بينه في رواية موسى بن أبي عائشة المذكورة ولفظه ‏"‏ فأتاه الرسول ‏"‏ أي بلال لأنه هو الذي أعلم بحضور الصلاة فأجيب بذلك، وفي روايته أيضا ‏"‏ فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس‏.‏

فقال أبو بكر - وكان رجلا رقيقا - يا عمر صل بالناس فقال له عمر‏:‏ أنت أحق بذلك ‏"‏ انتهى‏.‏

وقول أبي بكر هذا لم يرد به ما أرادت عائشة‏.‏

قال النووي‏:‏ تأوله بعضهم على أنه قاله تواضعا، وليس كذلك، بل قاله للعذر المذكور وهو كونه رقيق القلب كثير البكاء، فخشي أن لا يسمع الناس‏.‏

انتهى‏.‏

ويحتمل أن يكون رضي الله عنه فهم من الإمامة الصغرى الإمامة العظمى وعلم ما في تحملها من الخطر، وعلم قوة عمر على ذلك، فاختاره‏.‏

ويؤيده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوه أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح‏.‏

والظاهر أنه لم يطلع على المراجعة المتقدمة، وفهم من الأمر له بذلك تفويض الأمر له في ذلك سواء باشر بنفسه أو استحلف‏.‏

قال القرطبي‏:‏ ويستفاد منه أن للمستخلف في الصلاة أن يستحلف لا يتوقف على إذن خاص له بذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى‏)‏ في رواية المستملي والسرخسي ‏"‏ يصلي ‏"‏ وظاهره أنه شرع في الصلاة، ويحتمل أن يكـون المراد أنه تهيأ لها، وسيأتي في رواية أبي معاوية عن الأعمش بلفظ ‏"‏ فلما دخل في الصلاة ‏"‏ وهو محتمل أيضا بأن يكون المراد دخل في مكان الصلاة، ويأتي البحث مع من حمله على ظاهره إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة‏)‏ ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم وجد ذلك في تلك الصلاة بعينها، ويحتمل أن يكون ذلك بعد ذلك وأن يكون فيه حذف كما تقدم مثله في قوله ‏"‏ فخرج أبو بكر ‏"‏ وأوضح منه رواية موسى بن أبي عائشة المذكور ‏"‏ فصلى أبو بكر تلك الأيام‏.‏

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة ‏"‏ وعلى هذا لا يتعين أن تكون الصلاة المذكورة هي العشاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يهادي‏)‏ بضم أوله وفتح الدال أي يعتمد على الرجلين متمايلا في مشيه من شدة الضعف، والتهادي التمايل في المشي البطيء، وقوله ‏"‏يخطان الأرض ‏"‏ أي لم يكن يقدر على تمكينهما من الأرض، وسقط لفظ ‏"‏ الأرض ‏"‏ من رواية الكشميهني‏.‏

وفي رواية عاصم المذكورة عند ابن حبان ‏"‏ إني لأنظر إلى بطون قدميه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين رجلين‏)‏ في الحديث الثاني من حديثي الباب أنهما العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب ومثله في رواية موسى بن أبي عائشة، ووقع في رواية عاصم المذكورة ‏"‏ وجد خفة من نفسه فخرج بين بريرة ونوبة ‏"‏ ويجمع كما قال النووي بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين هذين، ومن ثم إلى مقام الصلاة بين العباس وعلي، أو يحمل على التعدد، ويدل عليه ما في رواية الدار قطني أنه خرج بين أسامة بن زيد والفضل بن العباس‏.‏

وأما ما في مسلم أنه خرج بين الفضل بن العباس وعلي فذاك في حال مجيئه إلى بيت عائشة‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ نوبة بضم النون وبالموحدة ذكره بعضهم في النساء الصحابيات فوهم، وإنما هو عبد أسود كما وقع عند سيف في كتاب الردة، ويؤيده حديث سالم بن عبيد في صحيح ابن خزيمة بلفظ ‏"‏ خرج بين بريرة ورجل آخر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأراد أبو بكر‏)‏ زاد أبو معاوية عن الأعمش ‏"‏ فلما سمع أبو بكر حسه ‏"‏ وفي رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس في هذا الحديث ‏"‏ فلما أحس الناس به سبحوا ‏"‏ أخرجه ابن ماجه وغيره بإسناد حسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن مكانك‏)‏ في رواية عاصم المذكورة ‏"‏ أن أثبت مكانك ‏"‏ وفي رواية موسى بن أبي عائشة فأومأ إليه بأن لا يتأخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتى به‏)‏ كذا هنا بضم الهمزة‏.‏

وفي رواية موسى بن أبي عائشة أن ذلك كان بأمره ولفظه ‏"‏ فقال أجلساني إلى جنبه، فأجلساه ‏"‏ وعين أبو معاوية عن الأعمش في إسناد حديث الباب - كما سيأتي بعد أبواب - مكان الجلوس فقال في روايته ‏"‏ حتى جلس عن يسار أبي بكر ‏"‏ وهذا هو مقام الإمام، وسيأتي القول فيه‏.‏

وأغرب القرطبي شارح مسلم لما حكى الخلاف هل كان أبو بكر إماما أو مأموما‏؟‏ فقال‏:‏ لم يقع في الصحيح بيان جلوسه صلى الله عليه وسلم هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره‏.‏

انتهى‏.‏

ورواية أبي معاوية هذه عند مسلم أيضا، فالعجب منه كيف يغفل عن ذلك في حال شرحه له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقيل للأعمش الخ‏)‏ ظاهرها الانقطاع، لأن الأعمش لم يسنده، لكن في رواية أبي معاوية عنه ذكر ذلك متصلا بالحديث، وكذا في رواية موسى بن أبي عائشة وغيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه أبو داود‏)‏ هو الطيالسي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعضه‏)‏ بالنصب وهو بدل من الضمير، وروايته هذه وصلها البزار قال‏:‏ حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أبو داود به ولفظه ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدم بين يدي أبي بكر، كذا رواه مختصرا، وهو موافق لقضية حديث الباب، لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن بشار عن أبي داود بسنده هذا عن عائشة قالت ‏"‏ من الناس من يقول‏:‏ كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف، ومنهم من يقول‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المقدم ‏"‏ ورواه مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر ‏"‏ أخرجه ابن المنذر، وهذا عكس رواية أبي موسى، وهو اختلاف شديد‏.‏

ووقع في رواية مسروق عنها أيضا اختلاف فأخرجه ابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عنه بلفظ ‏"‏ كان أبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر ‏"‏ وأخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة من رواية شعبة عن نعيم بن أبي هند عن شقيق بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر ‏"‏ وظاهر رواية محمد بن بشار أن عائشة لم تشاهد الهيئة المذكورة، ولكن تضافرت الروايات عنها بالجزم بما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة، منها رواية موسى ابن أبي عائشة التي أشرنا إليها ففيها ‏"‏ فجعل أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر ‏"‏ وهذه رواية زائدة بن قدامة عن موسى، وخالفه شعبة أيضا فرواه عن موسى بلفظ ‏"‏ أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه ‏"‏ فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأموما للجزم بها، ولأن أبا معاوية أحفظ في حديث الأعمش من غيره، ومنهم من سلك عكس ذلك ورجح أنه كان إماما، وتمسك بقول أبي بكر في ‏"‏ باب من دخل ليؤم الناس ‏"‏ حيث قال ‏"‏ ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد‏.‏

وأجاب عن قول أبي بكر كما سيأتي في بابه‏.‏

ويؤيده اختلاف النقل عن الصحابة غير عائشة، فحديث ابن عباس فيه أن أبا بكر كان مأموما كما سيأتي في رواية موسى بن أبي عائشة، وكذا في رواية أرقم بن شرحبيل التي أشرنا إليها عن ابن عباس، وحديث أنس فيه أن أبا بكر كان إماما أخرجه الترمذي وغيره من رواية حميد عن ثابت عنه بلفظ ‏"‏ آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في ثوب ‏"‏ وأخرجه النسائي من وجه آخر عن حميد عن أنس فلم يذكر ثابتا، وسيأتي بيان ما ترتب على هذا الاختلاف من الحكم في ‏"‏ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ قريبا إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد أبو معاوية عن الأعمش‏:‏ جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما‏)‏ يعني روى الحديث المذكور أبو معاوية عن الأعمش كما رواه حفص بن غياث مطولا وشعبة مختصرا كلهم عن الأعمش بإسناده المذكور، فزاد أبو معاوية ما ذكر‏.‏

وقد تقدمت الإشارة إلى المكان الذي وصله المصنف فيه‏.‏

وغفل مغلطاي ومن تبعه فنسبوا وصله إلى رواية ابن نمير عن أبي معاوية في صحيح ابن حبان، وليس بجيد من وجهين‏:‏ أحدهما أن رواية ابن نمير ليس فيها عن يسار أبي بكر، والثاني أن نسبته إلى تخريج صاحب الكتاب أولى من نسبته لغيره فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ الْأَرْضَ وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَرَجُلٍ آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَالَ لِي وَهَلْ تَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ قُلْتُ لَا قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏لما ثقل على النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي اشتد به مرضه، يقال ثقل في مرضه إذا ركدت أعضاؤه عن خفة الحركة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأذن له‏)‏ بفتح الهمزة وكسر المعجمة وتشديد النون أي الأزواج، وحكى الكرماني أنه روى بضم الهمزة وكسر الذال وتخفيف النون على البناء للمجهول، واستدل به على أن القسم كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد تقدم حديث الزهري هذا في ‏"‏ باب الغسل والوضوء من المخضب ‏"‏ وفيه زيادة على الذي هنا، وسيأتي في رواية ابن أبي عائشة عن عبيد الله شيخ الزهري وسياقه أتم من سياق الزهري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال هو علي بن أبي طالب‏)‏ زاد الإسماعيلي من رواية عبد الرزاق عن معمر ‏"‏ ولكن عائشة لا تطيب نفسا له بخير ‏"‏ ولابن إسحاق في المغازي عن الزهري ‏"‏ ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير ‏"‏ ولم يقف الكرماني على هذه الزيادة فعبر عنها بعبارة شنيعة، وفي هذا رد على من تنطع فقال لا يجوز أن يظن ذلك بعائشة، ورد على من زعم أنها أبهمت الثاني لكونه لم يتعين في جميع المسافة إذ كان تارة يتوكأ على الفضل وتارة على أسامة وتارة على علي، وفي جميع ذلك الرجل الآخر هو العباس، واختص بذلك إكراما له، وهذا توهم ممن قاله والواقع خلافه، لأن ابن عباس في جميع الروايات الصحيحة جازم بأن المبهم علي فهو المعتمد والله أعلم‏.‏

ودعوى وجود العباس في كل مرة والذي يتبدل غيره مردودة بدليل رواية عاصم التي قدمت الإشارة إليها وغيرها صريح في أن العباس لم يكن في مرة ولا في مرتين منها والله أعلم‏.‏

وفي هذه القصة من الفوائد غير ما مضى تقديم أبي بكر، وترجيحه على جميع الصحابة، وفضيلة عمر بعده، وجواز الثناء في الوجه لمن أمن عليه الإعجاب، وملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه وخصوصا لعائشة، وجواز مراجعة الصغير الكبير، والمشاورة في الأمر العام، والأدب مع الكبير لهم أبي بكر بالتأخر عن الصف، وإكرام الفاضل لأنه أراد أن يتأخر حتى يستوي مع الصف فلم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم يتزحزح عن مقامه‏.‏

فيه أن البكاء ولو كثر لا يبطل الصلاة لأنه صلى الله صلى الله عليه وسلم بعد أن علم حال أبي بكر في رقة القلب وكثرة البكاء لم يعدل عنه، ولا نهاه عن البكاء، وأن الإيماء يقوم مقام النطق، واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الإشارة يحتمل أن يكون لضعف صوته، ويحتمل أن يكون للإعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق، وفيه تأكيد أمر الجماعة والأخذ فيها بالأشد وإن كان المرض يرخص في تركها، ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأشد وإن كانت الرخصة أولى‏.‏

وقال الطبري‏:‏ إنما فعل ذلك لئلا يعذر أحد من الأئمة بعده نفسه بأدنى عذر فيتخلف عن الإمامة، ويحتمل أن يكون قصد إفهام الناس أن تقديمه لأبي بكر كان لأهليته لذلك حتى إنه صلى خلفه، واستدل به على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر، وعلى جواز مخالفة موقف المأموم للضرورة كمن قصد أن يبلغ عنه، ويلتحق به من زحم عن الصف، وعلى جواز ائتمام بعض المأمومين ببعض وهو قول الشعبي واختيار الطبري وأومأ إليه البخاري كما سيأتي، وتعقب بأن أبا بكر إنما كان مبلغا كما سيأتي في ‏"‏ باب من أسمع الناس التكبير ‏"‏ من رواية أخرى عن الأعمش، وكذا ذكره مسلم على هذا، فمعنى الاقتداء اقتداؤهم بصوته، ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسا وكان أبو بكر قائما فكان بعض أفعاله يخفى على بعض المأمومين فمن ثم كان أبو بكر كالإمام في حقهم والله أعلم‏.‏

وفيه اتباع صوت المكبر، وصحة صلاة المستمع والسامع، ومنهم من شرط في صحته تقدم إذن الإمام، واستدل به الطبري على أن للإمام أن يقطع الاقتداء به ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة‏.‏

وعلى جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة، وعلى جواز تقدم إحرام المأموم على الإمام بناء على أن أبا بكر كان دخل في الصلاة ثم قطع القدوة وائتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قدمنا أنه ظاهر الرواية‏.‏

ويؤيده أيضا أن في رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس ‏"‏ فابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث انتهى أبو بكر، واستدل به على صحة صلاة القادر على القيام قائما خلف القاعد خلافا للمالكية مطلقا ولأحمد حيث أوجب القعود على من يصلي خلف القاعد كما سيأتي الكلام عليه في ‏"‏ باب إنما جعل الإمام ليؤئم به ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب الرُّخْصَةِ فِي الْمَطَرِ وَالْعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله‏)‏ ذكر العلة من عطف العام على الخاص لأنها أعم من أن تكون بالمطر أو غيره، والصلاة في الرحل أعم من أن تكون بجماعة أو منفردا لكنها مظنة الانفراد، والمقصود الأصلي في الجماعة إيقاعها في المسجد، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في كتاب الأذان، وعلى حديث عتبان في ‏"‏ باب المساجد في البيوت ‏"‏ وسياقه هناك أتم، وإسماعيل شيخه هنا هو ابن أبي أويس‏.‏

*3*باب هَلْ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ وَهَلْ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَطَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يصلي الإمام بمن حضر‏)‏ أي وجود العلة المرخصة للتخلف، فلو تكلف قوم الحضور فصلى بهم الإمام لم يكره، فالأمر بالصلاة في الرحال على هذا للإباحة لا للندب، ومطابقة ذلك لحديث ابن عباس من قوله فيه ‏"‏ فنظر بعضهم إلى بعض ‏"‏ لما أمر المؤذن أن يقول ‏"‏ الصلاة في الرحال ‏"‏ فإنه دال على أن بعضهم حضر وبعضهم لم يحضر ومع ذلك خطب وصلى بمن حضر، وأما قوله ‏"‏ وهل يخطب يوم الجمعة في المطر ‏"‏ فظاهر من حديث ابن عباس وقد تقدم الكلام عليه في الأذان أيضا وفيه أن ذلك كان يوم الجمعة وأن قوله ‏"‏ إنها عزمة ‏"‏ أي الجمعة، وأما مطابقة حديث أبي سعيد فمن جهة أن العادة في يوم المطر أن يتخلف بعض الناس، وأما قول بعض الشراح يحتمل أن يكون ذلك في الجمعة فمردود لأنه سيأتي في الاعتكاف أنها كانت في صلاة الصبح، وحديث أنس لا ذكر للخطبة فيه‏.‏

ولا يلزم أن يدل كل حديث في الباب على كل ما في الترجمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ لَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ قُلْ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا فَقَالَ كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ وَعَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ كَرِهْتُ أَنْ أُؤَثِّمَكُمْ فَتَجِيئُونَ تَدُوسُونَ الطِّينَ إِلَى رُكَبِكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله‏)‏ ذكر العلة من عطف العام على الخاص لأنها أعم من أن تكون بالمطر أو غيره، والصلاة في الرحل أعم من أن تكون بجماعة أو منفردا لكنها مظنة الانفراد، والمقصود الأصلي في الجماعة إيقاعها في المسجد، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في كتاب الأذان، وعلى حديث عتبان في ‏"‏ باب المساجد في البيوت ‏"‏ وسياقه هناك أتم، وإسماعيل شيخه هنا هو ابن أبي أويس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ السَّقْفُ وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏"‏سألت أبا سعيد ‏"‏ أي عن ليلة القدر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَبَسَطَ لَهُ حَصِيرًا وَنَضَحَ طَرَفَ الْحَصِيرِ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الْجَارُودِ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى قَالَ مَا رَأَيْتُهُ صَلَّاهَا إِلَّا يَوْمَئِذٍ

الشرح‏:‏

قوله في حديث أنس ‏(‏قال رجل من الأنصار‏)‏ قيل إنه عتبان بن مالك، وهو محتمل لتقارب القصتين، لكن لم أر ذلك صريحا‏.‏

وقد وقع في رواية ابن ماجه الآتية أنه بعض عمومة أنس وليس عتبان عما لأنس إلا على سبيل المجاز لأنهما من قبيلة واحدة وهي الخزرج لكن كل منهما من بطن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏معك‏)‏ أي في الجماعة في المسجد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان رجلا ضخما‏)‏ أي سمينا، وفي هذا الوصف إشارة إلى علة تخلفه، وقد عده ابن حبان من الأعذار المرخصة في التأخر عن الجماعة، وزاد عبد الحميد عن أنس ‏"‏ وإني أحب أن تأكل في بيتي وتصلي فيه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبسط له حصيرا‏)‏ سبق الكلام فيه في حديث أنس في أوائل الصلاة في ‏"‏ باب الصلاة على الحصير‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى عليه ركعتين‏)‏ زاد عبد الحميد ‏"‏ فصلى وصلينا معه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل من آل الجارود‏)‏ في رواية على بن الجعد عن شعبة الآتية للمصنف في صلاة الضحى ‏"‏ فقال فلان ابن فلان ابن الجارود ‏"‏ وكأنه عبد الحميد بن المنذر بن الجارود البصري، وذلك أن البخاري أخرج هذا الحديث من رواية شعبة، وأخرجه في موضع آخر من رواية خالد الحذاء كلاهما عن أنس ابن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس، وأخرجه ابن ماجه وابن حبان من رواية عبد الله ابن عون عن أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس، فاقتضى ذلك أن في رواية البخاري انقطاعا، وهو مندفع بتصريح أنس بن سيرين عنده بسماعه من أنس، فحينئذ رواية ابن ماجه إما من المزيد في متصل الأسانيد، وإما أن يكون فيها وهم لكون ابن الجارود كان حاضرا عند أنس لما حدث بهذا الحديث وسأله عما سأله من ذلك، فظن بعض الرواة أن له فيه رواية‏.‏

وسيأتي الكلام على فوائده في ‏"‏ باب صلاة الضحى ‏"‏ ومطابقته لهذه الترجمة إما من جهة ما يلزم من الرخصة لمن له عذر أن يتخلف عن الحضور فإن ضرورة مواظبته صلى الله عليه وسلم على الصلاة بالجماعة أن يصلي بمن بقي، وإما من جهة ما ورد في طريق عبد الحميد المذكورة حيث قال أنس ‏"‏ فصلى وصلينا معه ‏"‏ فإنه مطابق لقوله ‏"‏ وهل يصلي بمن حضر ‏"‏ والله أعـلم‏.‏

*3*باب إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ فِقْهِ الْمَرْءِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ حذف جواب الشرط في هذه الترجمة إشعارا بعدم الجزم بالحكم لقوة الخلاف‏.‏

انتهى‏.‏

وكأنه أشار بالأثرين المذكورين في الترجمة إلى منزع العلماء في ذلك، فإن ابن عمر حمله على إطلاقه، وأشار أبو الدرداء إلى تقييده بما إذا كان القلب مشغولا بالأكل، وأثر ابن عمر مذكور في الباب بمعناه، وأثر أبي الدرداء وصله ابن المبارك في ‏"‏ كتاب الزهد ‏"‏ وأخرجه محمد بن نصر المروزي في ‏"‏ كتاب تعظيم قدر الصلاة ‏"‏ من طريقه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان، وقد أخرجه السراج من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن هشام بن عروة أيضا لكن لفظه ‏"‏ إذا حضر ‏"‏ وذكره المصنف في كتاب الأطعمة من طريق سفيان عن هشام بلفظ ‏"‏ إذا حضر ‏"‏ وقال بعده ‏"‏ قال يحيى بن سعيد ووهيب عن هشيم إذا وضـع ‏"‏ انتهى‏.‏

ورواية وهيب وصلها الإسماعيلي، وأخرجه مسلم من رواية ابن نمير وحفص ووكيع بلفظ ‏"‏ إذا حضر ‏"‏ ووافق كلا جماعة من الرواة عن هشام، لكن الذين رووه بلفظ ‏"‏ إذا وضع ‏"‏ كما قال الإسماعيلي أكثر، والفرق بين اللفظين أن الحضور أعم من الوضع، فيحمل قوله ‏"‏ حضر ‏"‏ أي بين يديه لتأتلف الروايات لاتحاد المخرج، ويؤيده حديث أنس الآتي بعده بلفظ ‏"‏ إذا قدم العشاء ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ إذا قرب العشاء ‏"‏ وعلى هذا فلا يناط الحكم بما إذا حضر العشاء لكنه لم يقرب للأكل كما لو لم يقرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأقيمت الصلاة‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ الألف واللام في ‏"‏ الصلاة ‏"‏ لا ينبغي أن تحمل على الاستغراق ولا على تعريف الماهية، بل ينبغي أن تحمل على المغرب، لقوله ‏"‏ فابدؤوا بالعشاء ‏"‏ ويترجح حمله على المغرب لقوله في الرواية الأخرى ‏"‏ فابدؤوا به قبل أن تصلوا المغرب ‏"‏ والحديث يفسر بعضه بعضا‏.‏

وفي رواية صحيحة ‏"‏ إذا وضع العشاء وأحدكم صائم ‏"‏ انتهى‏.‏

وسنذكر من أخرج هذه الرواية في الكلام على الحديث الثاني‏.‏

وقال الفاكهاني‏:‏ ينبغي حمله على العموم نظـرا إلى العلة وهي التشويش المفضي إلى ترك الخشوع، وذكر المغرب لا يقتضي حصرا فيها لأن الجائع غير الصائم قد يكون أشوق إلى الأكل من الصائم‏.‏

انتهى‏.‏

وحمله على العموم إنما هو بالنظر إلى المعنى إلحاقا للجائع بالصائم وللغداء بالعشاء لا بالنظر إلى اللفظ الوارد صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فابدؤوا بالعشاء‏)‏ حمل الجمهور هذا الأمر على الندب، ثم اختلفوا‏:‏ فمنهم من قيده بمن كان محتاجا إلى الأكل وهو المشهور عند الشافعية، وزاد الغزالي ما إذا خشي فساد المأكول، ومنهم من لم يقيده وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق، وعليه يدل فعل ابن عمر الآتي، وأفرط ابن حزم فقال‏:‏ تبطل الصلاة‏.‏

ومنهم من اختار البداءة بالصلاة إلا إن كان الطعام خفيفا نقله ابن المنذر عن مالك، وعند أصحابه تفصيل قالوا‏:‏ يبدأ بالصلاة إن لم يكن متعلق النفس بالأكل، أو كان متعلقا به لكن لا يعجله عن صلاته، فإن كان يعجله عن صلاته بدأ بالطعام واستحبت له الإعادة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عقيل‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ حدثني عقيل ‏"‏ وعنده أيضا عن ابن شهاب ‏"‏ أخبرني أنس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا قدم العشاء‏)‏ زاد ابن حبان والطبراني في الأوسط من رواية موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب ‏"‏ وأحدكم صائم ‏"‏ وقد أخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن عمرو بدون هذه الزيادة، وذكر الطبراني أن موسى بن أعين تفرد بها‏.‏

انتهى‏.‏

وموسى ثقة متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تعجلوا‏)‏ بضم المثناة وبفتحها والجيم مفتوحة فهما، ويروي بضم أوله وكسر الجيم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَقَالَ زُهَيْرٌ وَوَهْبُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ وَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ وَوَهْبٌ مَدِينِيٌّ

الشرح‏:‏

قوله في حديث ابن عمر ‏(‏إذا وضـع عشاء أحدكم‏)‏ هذا أخص من الرواية الماضية حيث قال ‏"‏ إذا وضع العشاء ‏"‏ فيحمل العشاء في تلك الرواية على عشاء من يريد الصلاة، فلو وضع عشاء غيرة لم يدخل في ذلك، ويحتمل أن يقال بالنظر إلى المعنى‏:‏ لو كان جائعا واشتغل خاطره بطعام غيره كان كذلك، وسبيله أن ينتقل عن ذلك المكان أو يتناول مأكولا يزيل شغل باله ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ، ويؤيد هذا الاحتمال عموم قوله في رواية مسلم من طريق أخرى عن عائشة ‏"‏ لا صلاة بحضرة طعام ‏"‏ الحديث، وقوله أبي الدرداء الماضي إقباله على حاجته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يعجل‏)‏ أي أحدكم المذكور أولا‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ أفرد قوله ‏"‏ يعجل ‏"‏ نظرا إلى لفظ أحد، وجمع قوله ‏"‏ فابدؤوا ‏"‏ نظرا إلى لفظ كم‏.‏

وقال‏:‏ والمعنى إذا وضع عشاء أحدكم فابدؤوا أنتم بالعشاء ولا يعجل هو حتى يفرغ معكم منه‏.‏

انتهـى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر‏)‏ هو موصول عطفا على المرفوع، وقد رواه السراج من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع فذكر المرفوع ثم قال ‏"‏ قال نافع‏:‏ وكان ابن عمر إذا حضر عشاؤه وسمع الإقامة وقراءة الإمام لم يقم حتى يفرغ ‏"‏ ورواه ابن حبان من طريق ابن جريج عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يصلي المغرب إذا غابت الشمس‏.‏

وكان أحيانا يلقاه وهو صائم فيقدم له عشاؤه وقد نودي للصلاة ثم تقام وهو يسمع فلا يترك عشاءه، ولا يعجل حتى يقضي عشاءه، ثم يخرج فيصلي ‏"‏ انتهى، وهذا أصرح ما ورد عنه في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإنه يسمع‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وإنه ليسمع ‏"‏ بزيادة لام التأكيد في أوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال زهير‏)‏ هو ابن معاوية الجعفي، وطريقه هذه موصولة عند أبي عوانة في مستخرجه، وأما رواية وهب بن عثمان فقد ذكر المصنف أن إبراهيم بن المنذر رواها عنه، وإبراهيم من شيوخ البخاري، وقد وافق زهيرا ووهبا أبو ضمرة عند مسلم وأبو بدر عند أبي عوانة والدراوردي عند السراج كلهم عن موسى بن عقبة، قال النووي‏:‏ في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله، لما فيه من ذهاب كمال الخشوع، ويلتحق به ما في معناه مما يشغل القلب، وهذا إذا كان في الوقت سعة، فإن ضاق صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز التأخير، وحكى المتولي وجها أنه يبدأ بالأكل وإن خرج الوقت، لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته‏.‏

انتهى‏.‏

وهذا إنما يجيء على قول من يوجب الخشوع، ثم فيه نظر ن المفسدتين إذا تعارضتا اقتصر على أخفهما، وخروج الوقت أشد من ترك الخشوع بدليل صلاة الخوف والغريق وغير ذلك، وإذا صلى لمحافظة الوقت صحت مع الكراهة وتستحب الإعادة عند الجمهور صلى الله عليه وسلم‏.‏

وادعى ابن حزم أن في الحديث دلالة على امتداد الوقت في حق من وضع له الطعام ولو خرج الوقت المحدود‏.‏

وقال مثل ذلك في حق النائم والناسي، واستدل النووي وغيره بحديث أنس على امتداد وقت المغرب، واعترضه ابن دقيق العيد بأنه إن أريد بذلك التوسعة إلى غروب الشفق ففيه نظر، وإن أريد به مطلق التوسعة فمسلم ولكن ليس محل الخلاف المشهور، فإن بعض من ذهب إلى ضيق وقتها جعله مقدرا بزمن يدخل فيه مقدار ما يتناول لقيمات يكسر بها سورة الجوع‏.‏

واستدل به القرطبي على أن شهود صلاة الجماعة ليس بواجب، لأن ظاهره أنه يشتغل بالأكل وإن فاتته الصلاة في الجماعة، وفيه نظر لأن بعض من ذهب إلى الوجوب كابن حبان جعل حضور الطعام عذرا في ترك الجماعة فلا دليل فيه حينئذ على إسقاط الوجوب مطلقا، وفيه دليل على تقديم فضيلة الخشوع في الصلاة على فضيلة أول الوقت، واستدل بعض الشافعية والحنابلة بقوله ‏"‏ فابدؤوا ‏"‏ على تخصيص ذلك بمن لم يشرع في الأكل، وأما من شرع ثم أقيمت الصلاة فلا يتمادى بل يقوم إلى الصلاة، قال النووي‏:‏ وصنيع ابن عمر يبطل ذلك، وهو الصواب‏.‏

وتعقب بأن صنيع ابن عمر اختيار له وإلا فالنظر إلى المعنى يقتضي ما ذكروه، لأنه يكون قد أخذ من الطعام ما دفع شغل البال به، ويؤيد ذلك حديث عمرو بن أمية المذكور في الباب بعده، ولعل ذلك هو السر في إيراد المصنف له عقبه، وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة بإسناد حسن عن أبي هريرة وابن عباس ‏"‏ أنهما كانا يأكلان طعاما وفي التنور شواء، فأراد المؤذن أن يقيم فقال له ابن عباس‏:‏ لا تعجل لئلا نقوم وفي أنفسنا منه شيء‏"‏‏.‏

وفي رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ لئلا يعرض لنا في صلاتنا‏"‏، وله عن الحسن ابن علي قال ‏"‏ العشاء قبل الصلاة يذهب النفس اللوامة ‏"‏ وفي هذا كله إشارة إلى أن العلة في ذلك تشوف النفس إلى الطعام، فينبغي أن يدار الحكم مع علته وجودا وعدما ولا يتقيد بكل ولا بعض، ويستثنى من ذلك الصائم فلا تكره صلاته بحضرة الطعام، إذ الممتنع بالشرع لا يشغل العاقل نفسه به، لكن إذا غلب استحب له التحول من ذلك المكان‏.‏

‏(‏فائدتان‏)‏ ‏:‏ ‏(‏الأولى‏)‏ قال ابن الجوزي‏:‏ ظن قوم أن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الله، وليس كذلك، وإنما هو صيانة لحق الحق ليدخل الخلق في عبادته بقلوب مقبلة‏.‏

ثم إن طعام القوم كان شيئا يسيرا لا يقطع عن لحاق الجماعة غالبا‏.‏

‏(‏الثانية‏)‏ ما يقع في بعض كتب الفقه إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ، كذا في شرح الترمذي لشيخنا أبي الفضل، لكن رأيت بخط الحافظ قطب الدين أن ابن أبي شيبة أخرج عن إسماعيل وهو ابن علية عن ابن إسحاق قال حدثني عبد الله ابن رافع عن أم سلمة مرفوعا ‏"‏ إذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدءوا بالعشاء ‏"‏ فإن كان ضبطه فذاك، وإلا فقد رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل بلفظ ‏"‏ وحضرت الصلاة ‏"‏ ثم راجعت مصنف ابن أبي شيبة فرأيت الحديث فيه كما أخرجه أحمد، والله أعلم‏.‏

*3*باب إِذَا دُعِيَ الْإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا دعى الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل‏)‏ قيل أشار بهذا إلى أن الأمر الذي في الباب قبله للندب لا للوجوب، وقد قدمنا قول من فصل بين ما إذا أقيمت الصلاة قبل الشروع في الأكل أو بعده، فيحتمل أن المصنف كان يرى التفصيل، ويحتمل تقييده في الترجمة بالإمام أنه كان يرى تخصيصه به، وأما غيره من المأمومين فالأمر متوجه إليهم مطلقا، ويؤيده قوله فيما سبق ‏"‏ إذا وضع عشاء أحدكم ‏"‏ وقد قدمنا تقرير ذلك مع بقية فوائد الحديث في ‏"‏ باب من لم يتوضأ من لحم الشاة ‏"‏ من كتاب الطهارة‏.‏

وقال الزين بن المنير‏:‏ لعله صلى الله صلى الله عليه وسلم أخذ في خاصة نفسه بالعزيمة فقدم الصلاة على الطعام، وأمر غيره بالرخصة لأنه لا يقوى على مدافعة الشهوة قوته، وأيكم يملك أربه‏.‏

انتهى‏.‏

ويعكر على من استدل به على أن الأمر للندب احتمال أن يكون اتفق في تلك الحالة أنه قضى حاجته من الأكل فلا يتم الدلالة به‏.‏

وإبراهيم المذكور في الإسناد هو ابن سعد، وصالح هو ابن كيسان، والإسناد كله مدنيون‏.‏

*3*باب مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من كان في حاجة أهله‏)‏ كأنه أشار بهذه الترجمة إلى أنه لا يلحق بحكم الطعام كل أمر يكون للنفس تشوف إليه، إذ لو كان كذلك لم يبق للصلاة وقت في الغالب‏.‏

وأيضا فوضع الطعام بين يدي الآكل فيه زيادة تشوف، وكلما تأخر تناوله ازداد، بخلاف باقي الأمور‏.‏

ومحل النص إذا اشتمل على وصف اعتباره يتعين عدم إلغائه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏في مهنة أهله‏)‏ بفتح الميم وكسرها وسكون الهاء فيهما، وقد فسرها في الحديث بالخدمة، وهي من تفسير آدم بن أبي إياس شيخ المصنف لأنه أخرجه في الأدب عن حفص بن عمر، وفي النفقات عن محمد بن عرعرة، وأخرجه أحمد عن يحيى القطان وغندر والإسماعيلي من طريق ابن مهدي، ورواه أبو داود الطيالسي كلهم عن شعبة بدونها‏.‏

وفي الصحاح المهنة بالفتح الخدمة، وهذا موافق لما قاله، لكن فسرها صاحب المحكم بأخص من ذلك فقال‏:‏ المهنة الحذق بالخدمة والعمل‏.‏

ووقع في رواية المستملي وحده ‏"‏ في مهنة بيت أهله ‏"‏ وهي موجهة مع شذوذها، والمراد بالأهل نفسه أو ما هو أعم من ذلك‏.‏

وقد وقع مفسرا في الشمائل للترمذي من طريق عمرة عن عائشة بلفظ ‏"‏ ما كان إلا بشرا من البشر‏:‏ يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه ‏"‏ ولأحمد وابن حبان من رواية عروة عنها ‏"‏ يخيط ثوبه، ويخصف نعله ‏"‏ وزاد ابن حبان ‏"‏ ويرقع دلوه ‏"‏ زاد الحاكم في الإكليل ‏"‏ ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادما‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا حضرت الصلاة‏)‏ في رواية ابن عرعرة ‏"‏ فإذا سمع الأذان ‏"‏ وهو أخص‏.‏

ووقع في الترجمة ‏"‏ فأقيمت الصلاة ‏"‏ وهي أخص، وكأنه أخذه من حديثها المتقدم في ‏"‏ باب من انتظر الإقامة ‏"‏ فإن فيه ‏"‏ حتى يأتيه المؤذن للإقامة‏"‏‏.‏

واستدل بحديث الباب على أنه لا يكره التشمير في الصلاة، وأن النهي عن كف الشعر والثياب للتنزيه، لكونها لم تذكر أنه أزاح عن نفسه هيئة المهنة، كذا ذكره ابن بطال ومن تبعه، وفيه نظر لأنه يحتاج إلى ثبوت أنه كان له هيئتان، ثم لا يلزم من ترك ذكر التهيئة للصلاة عدم وقوعه‏.‏

وفيه الترغيب في التواضع وترك التكبر وخدمة الرجل أهله وترجم عليه المؤلف في الأدب ‏"‏ كيف يكون الرجل في أهله‏"‏‏.‏

*3*باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى بالناس الخ‏)‏ والحديث مطابق للترجمة، وكأنه لم يجزم فيها بالحكم لما سنبينه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ إِنِّي لَأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَقُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي قَالَ مِثْلَ شَيْخِنَا هَذَا قَالَ وَكَانَ شَيْخًا يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا وهيب‏)‏ هو ابن خالد، والإسناد كله بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة‏)‏ استشكل نفي هذه الإرادة لما يلزم عليها من وجود صلاة غير قربة ومثلها لا يصح، وأجيب بأنه لم يرد نفي القربة وإنما أراد بيان السبب الباعث له على الصلاة في غير وقت صلاة معينة جماعة، وكأنه قال ليس الباعث لي على هذا الفعل حضور صلاة معينة من أداء أو إعادة أو غير ذلك، وإنما الباعث لي عليه قصد التعليم، وكأنه كان تعين عليه حينئذ لأنه أحد من خوطب بقوله ‏"‏ صلوا كما رأيتموني أصلي ‏"‏ كما سيأتي، ورأى أن التعليم بالفعل أوضح من القول، ففيه دليل على جواز مثل ذلك وأنه ليس من باب التشريك في العبادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصلي‏)‏ زاد في ‏"‏ باب كيف يعتمد على الأرض ‏"‏ عن معلى عن وهيب ‏"‏ ولكني أريد أن أريكم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مثل شيخنا‏)‏ هو عمرو بن سلمة كما سيأتي في ‏"‏ باب اللبث بين السجدتين ‏"‏ وسياقه هناك أتم، ونذكر فوائده هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخرج صاحب العمدة هذا الحديث، وليس هو عند مسلم من حديث مالك بن الحويرث‏.‏

*3*باب أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة‏)‏ أي ممن ليس كذلك، ومقتضاه أن الأعلم والأفضل أحق من العالم والفاضل، وذكر الفضل بعد العلم من العام بعد الخاص، وسيأتي الكلام على ترتيب الأئمة بعد بابين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَعَادَتْ فَقَالَ مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حسين‏)‏ هو ابن علي الجعفي، والإسناد سوى الراوي عنه كلهم كوفيون، وأبو بردة هو ابن أبي موسى، ووهم من زعم أنه هنا أخوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رقيق‏)‏ أي رقيق القلب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يستطع‏)‏ أي من البكاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتاه الرسول‏)‏ هو بلال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى بالناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي إلى أن مات، وكذا صرح به موسى ابن عقبة في المغازي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْ إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه عن عائشة‏)‏ كذا رواه جماعة عن مالك موصولا، وهو في أكثر نسخ الموطأ مرسلا ليس فيه عائشة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مه‏)‏ هي كلمة زجر بنيت على السكون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليصل بالناس‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ للناس ‏"‏ وقد تقدم الكلام على فوائد هذين الحديثين في ‏"‏ باب حد المريض أن يشهد الجماعة ‏"‏ والظاهر أن حديث أبي موسى من مراسيل الصحابة، ويحتمل أن يكون تلقاه عن عائشة أو بلال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنْ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ وَأَرْخَى السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ

الشرح‏:‏

حديث أنس من طريق الزهري سيأتي في الوفاة من آخر المغازي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَمْ يَخْرُجْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَابِ فَرَفَعَهُ فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَحَ لَنَا فَأَوْمَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَأَرْخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجَابَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو معمر‏)‏ هو عبد الله بن عمرو، لا إسماعيل بن إبراهيم، وعبد العزيز هو ابن صهيب‏.‏

والإسناد كله بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثا‏)‏ كان ابتداؤها من حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم قاعدا كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب‏)‏ هو من إجراء قال مجرى فعل وهو كثير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما رأينا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ما نظرنا ‏"‏ وقوله ‏"‏ فأومأ بيده إلى أبي بكر أن يتقدم ‏"‏ ليس مخالفا لقوله في أوله ‏"‏ فتقدم أبو بكر ‏"‏ بل في السياق حذف يظهر من رواية الزهري حيث قال فيها ‏"‏ فنكص أبو بكر ‏"‏ والحاصل أنه تقدم ثم ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فتأخر، فأشار إليه حينئذ أن يرجع إلى مكانه‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قع في حديث ابن عباس في نحو هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم في تلك الحالة ‏"‏ ألا وإني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا ‏"‏ الحديث، أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن معبد عنه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قِيلَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ قَالَ مُرُوهُ فَيُصَلِّي فَعَاوَدَتْهُ قَالَ مُرُوهُ فَيُصَلِّي إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى الْكَلْبِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ عُقَيْلٌ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حمزة بن عبد الله‏)‏ أي ابن عمر بن الخطاب، وفي كلام ابن بطال ما يوهم أنه حمزة ابن عمرو الأسلمي وهو خطأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فعاودته‏)‏ بفتح الدال وسكون المثناة أي عائشة، وبسكون الدال وفتح النون، أي هي ومن معها من النساء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه الزبيدي‏)‏ أي تابع يونس بن يزيد، ومتابعته هذه وصلها الطبراني في مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عنه موصولا مرفوعا وزاد فيه قولها ‏"‏ فمر عمر ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ فراجعته عائشة‏"‏‏.‏

ومتابعة ابن أخي الزهري وصلها ابن عدي من رواية الدراوردي عنه، ومتابعة إسحاق بن يحيى وصلها أبو بكر بن شاذان البغدادي في نسخة إسحاق بن يحيى في رواية يحيى بن صالح عنه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ظن بعضهم أن قوله ‏"‏ عن الزهري ‏"‏ أي موقوفا عليه، وهو فاسد لما بيناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عقيل ومعمر الخ‏)‏ قال الكرماني‏:‏ الفرق بين رواية الزبيدي وابن أخي الزهري وإسحاق بن يحيى وبين رواية عقيل ومعمر أن الأولى متابعة والثانية مقاولة ا ه ومراده بالمقالة الإتيان فيها بصيغة قال، وليس في اصطلاح المحدثين صيغة مقاولة وإنما السر في تركه عطف رواية عقيل ومعمر على رواية يونس من تابعه أنهما أرسلا الحديث وأولئك وصلوه، أي أنهما خالفا يونس ومن تابعه فأرسلا الحديث، فأما رواية عقيل فوصلها الذهلي في الزهريات، وأما معمر فاختلف عليه فرواه ابن المبارك عنه رسلا كذلك أخرجه ابن سعد وأبو يعلى من طريقه، ورواه عبد الرزاق عن معمر موصولا لكن قال ‏"‏ عن عائشة ‏"‏ بدل قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ كذلك أخرجه مسلم، وكأنه رجح عنده لكون عائشة صاحبة القصة ولقاء حمزة لها ممكن، ورجح الأول عند البخاري لأن المحفوظ في هذا عن الزهري من حديث عائشة روايته لذلك عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها، ومما يؤيده أن في رواية عبد الرزاق عن معمر متصلا بالحديث المذكور أن عائشة قالت ‏"‏ وقد عاودته، وما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر ‏"‏ الحديث‏.‏

وهذه الزيادة إنما تحفظ من رواية الزهري عن عبيد الله عنها لا من رواية الزهري عن حمزة، وقد روى الإسماعيلي هذا الحديث عن الحسن بن سفيان عن يحيى بن سليمان شيخ البخاري فيه مفصلا، فجعل أوله من رواية الزهري عن حمزة عن أبيه بالقدر الذي أخرجه البخاري، وآخره من رواية الزهري عن عبيد الله عنها، والله أعلم‏.‏

*3*باب مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الْإِمَامِ لِعِلَّةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من قام‏)‏ أي صلى ‏(‏إلى جنب الإمام لعلة‏)‏ أي سبب اقتضى ذلك، وقد تقدم ما فيه في ‏"‏ باب حد المريض‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ قَالَ عُرْوَةُ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عروة فوجد‏)‏ هو بالإسناد المذكور، ووهم من جعله معلقا‏.‏

ثم إن ظاهره الإرسال من قوله ‏"‏ فوجد الخ ‏"‏ لكن رواه ابن أبي شيبة عن ابن نمير بهذا الإسناد متصلا بما قبله، وأخرجه ابن ماجه عنه، وكذا وصله الشافعي عن يحيى بن حبان عن حماد بن سلمة عن هشام، وكذا وصله عن عروة عنها كما تقدم، ويحتمل أن يكون عروة أخذه عن عائشة وعن غيرها، فلذلك قطعه عن القدر الأول الذي أخذه عنها وحدها، والأصل في الإمام أن يكون متقدما على المأمومين إلا إن ضاق المكان أو لم يكن إلا مأموم واحد، وكذا لو كانوا عراة، وما عدا ذلك يجوز ولكن تفوت الفضيلة‏.‏